بسم الله الرحمان الرحيم ، والحمد لله نحمده ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور انفسنا ، وسيئات اعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلا هادي له ، ونشهد ان لا اله الا الله وحده رشريك له ، وان محمدا عبده ورسوله.
امــــا بعـــــــــــــــــــــد،
ان الاتصال بالله واحراز المزيد من عطفه ولطفه درجات متتابعة، والدرجة العليا في هذا السلم قد تستغرق المرء في تلك الاعمال استغراقا يملك مشاعره واعضاءه، فهو بحرارة الاخلاص وصدق
التوجه مشغول بها ، وبمن يؤديها له، عن كل شئ اخر.
هنا يحبه الله ، فاذا احبه اعانه على ذكره وشكره، وسخر حواسه وجوارحه في هذه الاعمال الخالصة له، (( فاذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها)).
اي كانت حياته كلها ، وافكاره ومشاعره وقفا علي.
والواقع ان الذي يستغرق في عمل ما ، او تستحوذ عليه فكرة ما يحتبس في جوها، ويذوق السعادة في نطاقها، ويشعر بالغربة بعيدا عنها، ويستوحش من كل شئ يعكر عليه الخلوة بها ، على ان هنا لفتة..ان احدا لن يفرض على الله صداقته ، فالله تبارك وتعالى هو الذي ينظر الى عباده ، ويمتن على من شاء منهم بقوة الصلة ، وجميل الرعاية. وهذه اللفتة مفهومة من قوله تعالى:(( فاذا احببته كنت سمعه...الخ. اي جلوت العوائق والشواغل عن حسه ومعناه فصار يسمع بي ، ويبصر بي.
ومن الجهل توهم ان هذا الذكر المشرق بالله ، لا يكون الا في خلوة من الناس ، او لا يتم الا بعد فرار من المجتمع كلا.ان هذا الذكر مخلوط بعمل المرئ داخل الحياة نفسها ، وبتصرف يده ورجله، وسط ضجتها الكبرى.
واروع ما في هذا الحديث هو التنزيه بان المسلم اذا فني في رسالة ، اشتغل بها كلا وجزءا ، فهو يرضى لله ويسخط لله ، ويطعم لله ويتبسط لله ، وينام لله ليصحو لله ، ويكدح لله...الخ. لقد تحول في ميدان الحياة الرحبة ، وعلى ظهر الارض الطويل العريض ، قوة تشكل ما يقع في نطاقها وفق فطرتها هي.
لقد اصبح كالنحلة ، تتعرض للازهار والاثمار فتحيلها شهدا شافيا ، لآن هذه طبيعتها التي لا تحسن غيرها. وفي الحديث : (( مثل المؤمن مثل النحلة ، ان اكلت طيبا ، وان وقعت على شئ لم تخدشه
ولم تكسره)).
لو ان احد رجال المال اختير عضوا في مجلس ادارة لاحدى الشركات فانكب على عمله هذا يؤديه
بقوة ، ويحاول ترقيته وتنميته ، ويحلم في منامه بطرق استثماره ، ويكرس صحوه لحراسته ، وهو في هذا كله يرمي الى دعم الاقتصاد الاسلامي ، ومطاردة الغزو الاجنبي ، ورفع مستوى الامة التي وقف على ثغرة خطيرة فيها.. فليس يشك احد من علماء الاسلام في ان هذا الرجل مجاهد في سبيل الله. وان تفانيه في هذا المجال ، بعد استكمال الفرائض المكتوبة ، يجعله من اولياء الله الصالحين ، الذين عناهم هذا الحديث الشريف.
ان باب النوافل واسع ، ويستطيع المسلم المؤدي للفرائض ان يحرز اعلى درجات القرب من الله طريق اي عمل صالح ، عادي او عبادي ، مادام عميق الاخلاص ، ناظرا الى وجه الله في كل موطن.