دراسة الفقه المالكي كثيرا ما يطرح مريد التفقه من أين أبدأ وماذا أدرس؟هذه دراسة مختصرة أضعها بين أيدي إخواني راجيا من الله الانتفاع بها وطالبا من إخواني تسديدي وإبداء ملاحظاتهم.(إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله).الحلقة الأولى:أولا أهمية المرجعية الفقهية وضرورات التقيد بالمذهب الواحد و مقتضياته:يتخذ المسلم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مرجعية له ، يفكر من خلالها في الحياة ،ويعتمد على هذه المرجعية و إحالاتها لهذا العقل في فهم الوجود ، لان الوحي والوجود صادران عن مشيئة واحدة هي إرادة الله سبحانه وتعالى ، فالوحي يمثل ( الكتاب المسطور ) والوجود يمثل ( الكتاب المنظور ).وقد تمكن علماء الأمة من الوصول إلى منهجية التعامل ، مع نصوص الوحي في علم مستقل ، يضبط هذه المنهجية ، ويحميها من الانحراف عن مقاصد الوحي، وهذا العلم هو علم (أصول الفقه) وهو علم مبني على ما يسمى علوم الأمة ( علوم اللغة، وعلوم التفسير، وعلوم القران، وعلوم الحديث …) وهي العلوم التي اختصت بخدمة علم الوحي وتفصيل مقاصده .وجاء الفقه ليضبط أعمال المكلفين وشاع في كل قطر من أقطار العالم الإسلام مذهب معين التزمه حكامهم وخاصتهم وعامتهم.ولا بأس بالاشتغال بفقه مذهب واحد هو السائد في البلد دون تعصب.وليس من الحكمة مخالفة المذهب الفقهي الذي يسود في القطر أو الإقليم الواحد والذي يتميز بدرجة من القبول أكبر ولا تؤدي إلى خروج الناس عن مألوفهم الفقهي.وليس للمسلم أن ينشر ثقافة تصطدم مع ما ألفه الناس وعرفوه وشاع بينهم وصار دينا يتبعونه ويهتدون به,فينبغي أن نكون –في القطر الواحد على الأقل-على ما كان عليه الصحابة رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم من اجتماعهم و اتفاقهم وخضوع عوامهم لما اتفقوا عليه ؛ و بذلك تحسم الفوضى.وإذا تركنا جانبا النقاشات العلمية بين الفقهاء والأصوليين حول حكم التقيد بمذهب واحد، وحكم الانتقال من مذهب لآخر وحكم التلفيق، فإن الذ ي استقر عليه العمل في مشارق الدنيا ومغاربها ومنذ القرن الرابع فما بعد ، تقيد الناس أفرادا وبلادا بأحد المذاهب المعروفة والمتبوعة بمن فيهم علماؤهم وفقهاؤهم وأمراؤهم وخاصتهم وعامتهم، وحاشا أن يكون كل هؤلاء وعلى مدى هذه العصور على ضلال. وإن جمع الناس على أمر واحد درءا للفتنة ، وجمعا للكلمة والشمل ، له سوابق في الثقافة الفقهية والسياسية الإسلامية منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، ومن ذلك جمع عمر رض ي الله عنه الناس على قارئ واحد في التراويح لما رآهم أوزاعا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمع عثمان الناس على مصحف واحد لما وصله اختلاف الناس في قراءا ت القرآن، وحاول أبو جعفر المنصور حمل الناس على مذهب فقهي واحد منذ خلافته، وروى ذلك عن المهدي أيضا. . وبالإضافة إلى ما تقدم واستنادا إليه فإن تقيد الناس بمذهب واحد على مستوى قطر أو مجتمع متحضر ومتماسك ومتعاون تقتضيه وتمليه ضرورات اجتماعية؛ وتعليمية تربوية منهجية ؛ وقضائية تشريعية ؛ وتاريخية وحضارية و ثقافية . ثانيا:تفاوت حاجات الناس إلى الفقه وتفاوت قدراتهم في فهمه واكتسابه:تتفاوت حاجات الناس في تعلم مسائل الدين التي يحتاجونها,كما تتفاوت قدراتهم ومراتبهم في فهمه واكتسابه بحسب ثقافتهم ومستوياتهم العلمية والعقلية . و العامي أوالمبتدئ لابد له أن يلتزم مذهبًا معينًا من المذاهب الأربعة ؛ لأنه إن لم يفعل ذلك ضاع وضل، لأنه عامي لا يحسن أو متعلم مبتدئ لا يحسن, .كما أن دراسة الفقه تحتاج إلى تدرج فمن بدأ في الفقه بكتب الاختلاف فقد ضاع وعليه أن يركز على مذهب معين ويتقن كتبه، فإذا رسخ الفقه في ذهنه حينئذ ينظر في كتب الاختلاف .وعلى المسلم أن يدرس الفقه على أحد الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ ، الَّتِي يَعْتَنِقُهَا الْكَثْرَةُ الْكَاثِرَةُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَْرْضِ وَمَغَارِبِهَا وتلقتها الأمة بالقبول.والاختيار أن يبدأ بمتن من المتون الفقهية على مذهب من المذاهب الأربعة المعتبرة وهذا ما دأب عليه المسلمون في تعليم الأبناء والعامة والمبتدئين وجعلوه طريقا في كتابة الفقه.ثالثا:مصادر الفقه المالكي:أ-مصادر رئيسية: وتشمل الموطأ والمدونة.ب-أمهات الفقه المالكي أربعة :- المدونة : وسميت بذلك لأنه تداولها أربعة من المجتهدين ( مالك -وابن القاسم - وأسد - وسحنون ) .- الواضحة : لابن حبيب عبد الملك بن سليمان السلمي القرطبي (المتوفّى 238هـ)- المستخرجة العتبية : المستخرجة العتبية على الموطأ» لاَبي عبد اللّه محمد العتبي بن أحمد بن عبد العزيز بن عتبة القرطبي (المتوفّى 254هـ - الموازية : تأليف أبي عبد اللّه محمد بن سعيد المعروف بابن المواز القرطبي (المتوفّى 281هـ) . وجاء بعد ذلك من أمهات الكتب مثل :- رسالة ابن أبي زيد القيرواني ويطلق عليها : باكورة السعد .- نوادر ابن أبي زيد .- التعريفات لابن الجلاب : أبي بكر محمد بن عبد الله التميمي الصقلي .- البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل : لابن رشد الجد .- الذخيرة : للقرافي شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس .ج-تصنيف المجاميع وشروح الأحاديث: من المفيد التعرف على علماء المالكية الذين اشتغلوا بالحديث لكي تتكامل الثقافة الفقهية1-شروح الموطأ
- «التمهيد لما في الموطأ من المعاني والاَسانيد»: تأليف أبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري، .-. «المنتقى» تأليف أبي الوليد الباجي ألّف كتبـاً كثيـرةً منها «شرح الموطأ» وهي نسختان إحداهما «الاستيفاء» ثم انتقى منها فوائد سمّاها «المنتقى» في سبع مجلدات، وهو أحسن كتاب أُلّف في مذهب مالك، وله «الاِملاء» مختصر المنتقى.
- «تنوير الحوالك شرح موطأ مالك» تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطـي الشافعي (848 ـ 911هـ) .-. «شرح الزرقاني على موطأ الاِمام مالك» لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني (1055ـ1122هـ) . -القبس لابن العربي-وغيرها2-كتب الحديث المشروحة من طرف علماء مالكية:-المعلم بفوائد شرح مسلم للمازري-شرح ابن بطال لصحيح البخاري وعليه يعتمد كثيرا صاحب فتح الباري حتى قيل إنه تحول إلى مذهب مالك -ومن العلماء المالكية الذين اشتغلوا بالحديث :على بن الحسن بن الجندي ت291ه حافظ وأبو عمر القاضي محمد بن يوسف البغدادي حدث عنه الدارقطني.-عارضة الأحوذي بشرح صحيح الترمذي لابن العربي.-المفهم على صحيح مسلمللقرطبي .- شرح القاضي عياض ( المعلم ) سلسلة ( إكمال المعلم )-وغيرها كثيرملاحظة:أتمنى من إخواني كتابة موضوع يجمع فيه علماء المالكية-الذين لهم مؤلفات- المشتغلين بالحديث رواية ودراية وبشرح الحديث ومن جمع منهم بين الفقه والحديث فكان طبيبا صيدليا.-رابعا كتب أصول (الفقه)المذهب:الموطأ هو أصل أصول مالك- -1إحكام الفصول في أحكام الأصول لأبي الوليد الباجي ت 474 هـ.
2-المحصول فيأصول الفقه لأبي بكر بن العربي ت 543 هـ.
3-تقريب الوصول إلى علم الأصول لأبنجزئ المغربي ت 741 هـ. 4-المقدمة في أصول الفقه لابن القصار -ط وهو من أقدمها.
5-مختصر ابن الحاجب بشرح الرهوني ط6-مرتقى الوصول لابن العاصم بشرح الولاتي ط7-شرح التنقيح للقرافي،وهو مفيد جدا وعليهشرح نفيس للعلامة الطاهر بن عاشور ،كما شرحه الشوشاوي وط شرح�0 لماذا فقه الحياة؟
لأن فقه الإسلام يتطلب فقه شريعته، وفقه الشريعة يتطلب فقه العقيدة وأخلاقياتها، وفقه العقيدة يتطلب فقه الدين الإسلامى كما أنزله الله رب العالمين بما يناسب الزمان والمكان والإنسان.
ولأن فقه الدين يتطلب فقه الحياة بكل مقوماتها المادية والمعنوية بما يحقق دوام هذه الحياة وكمال استخلاف الإنسان لها واستخراج كل خيراتها وكنوزها لاستمرار العيش فيها والقدرة على تعميرها واستعمارها إلى ما شاء الله سبحانه وتعالي.
وذلك لقوله سبحانه وتعالى: ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)
وقوله سبحانه: ( هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعا )
وقوله سبحانه: ( وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه) .
والدين والدنيا فى نظر الإسلام صنوان لا غنى لأحدهما عن الآخر بالنسبة للإنسان ووجوده فى هذه الحياة واستمرار بقائه ودوامه فيها, فهما بالنسبة له وجهان لعملة واحدة أو كالروح مع الجسد بالنسبة للإنسان.
فطرة الله التى فطر الله الناس عليها. وذلك لقوله تعالى: ( فطرت الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
( إن الدين عند الله الإسلام ) .
ومن أجل سعادة الإنسان جاء ديننا الحنيف بالأصول التي لو سار عليها المسلمون لسعدوا، وبالقواعد التي تعالج أزمات الإنسانية، وهذا لم يأتِ به شرعٌ أو قانونٌ غير الإسلام الحنيف.
ومن هذه القواعد:
-المشقة تجلب التيسير:
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ.
وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.
-إذا ضاق الأمر اتسع:
ومعناها أنه إذا ظهرت مشقة في أمر يرخَّص فيه ويوسَّع.
- الضرورات تبيح المحظورات:
وهي في قوله تعالى: إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ.
وهذه تدل على أن الممنوع شرعًا يباح عند الضرورة، وهذه القاعدة تتعلَّق بقاعدة الضرر يزال، ومن فروعها: جواز فعل المحرَّم عند الضرورة، ومبنى ذلك وبيانه كما يقول صاحب (الموافقات): إن مصالح الدين والدنيا مبنية على المحافظة على الضرورات الخمس المعروفة، واعتبر قيام هذا الوجود الدنيوي مبنيًّا عليها، حتى إذا انخرمت لم يبقَ للدنيا وجود.
والله رب العالمين إله واحد لا شريك له قادر على كل شيء ، ذو حكمة بالغة ، وهو الذي أوجدنا في هذه الحياة وأنعم علينا تلك النعم التي تحيط بنا ، ، ورحمته وسعت كل شيء ، ولا يرد توبة تائب أبدا ، ولا ينام أو يغفل ، وما يفعله كله لحكمة بالغة قد لا ندرك كنهها نحن ، وهذا الخالق ينظم لنا حياتنا عن طريق وضع مجموعة من القوانين التي وصلت من العدالة درجة لايمكن لأحد أن يصل إلى مثلها ، وتلك القوانين هي الإسلام
يقول جعفر بن أبي طالب عن الإسلام للنجاشي : (أيها الملك ، كنا قوم جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل القوي من الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة و الأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - وعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه به ، وتبعناه على ما جاء به من الله والإسلام أكمل الشرائع وأشملها وأعدلها على الإطلاق ، وصلاحية دين الإسلام لكل زمان ومكان أمر مسلَّم به عند العقلاء فضلاً عن شهود الأدلة الشرعية عليه ، فهو خاتمة الأديان ، وهو الذي ارتضاه الله للأنام ،