بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم ان البحث عن اقسام المياه على المذهب المالكي
لكنني لا اريد ان ابخل بما ورد عني من اي شيء
وان لم يكن للمذهب نفسه
لكن للمعرفة والعلم
وبارك الله فيكم
تقسم المياه في فن الصحة إلى :
1. مياه شريبة (صالحة للشرب) .
2. مياه صالحة للاستعمال(غير ملوثة ولكنها لا تكتمل فيها شروط الماء الشروب).
3. مياه ملوثة لا تصلح للشرب ولا للاستعمال ما لم تصلح .
وتقسم المياه من الناحية الفقهية وصلاحيتها للطهارة من الحدث والطهارة من الخبث إلى ثلاثة أقسام:
1. ماء طهور صالح للطهارة
2. وماء طاهر غير طهور (غير مطهر من الحدث ولكنه غير نجس).
3. وماء متنجس.
وأنبه في مقدمة هذا البحث بأن المياه التي حكم عليها الشرع بالطهارة أو بالطهورية هي بحسب الغالب كذلك.
وحكم الشرع له صفة الشمول والعموم، فهو يصلح لكل زمان ولكل الأقوام والبيئات، يصلح لزمن لم تكتشف فيه وسائل التحقق من عدم تلوث المياه ولزمن اكتشف فيه ذلك ، ويصلح للمثقف وابن المدينة في عصرنا هذا، كما يصلح للبدوي في صحرائه في العصور السالفة أيضاً.
وإذا اتبع الناس شرع الإسلام في وصاياه التي تقي المياه من التلوث، فإن الماء الطهور نادراً ما يتلوث، وتبقى صلاحيته للشرب هي الغالبة. وعلى من علم بتلوث ماء أن يتجنبه وأن ينبه غيره لذلك بعداً عن الضرر وحرصاً على ما ينفع، وذلك لقوله تعالى : " وخذوا حذركم" (سورة النساء:101)، " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة" (سورة البقرة : 195)، " ولا تقتلوا أنفسكم"(سورة النساء:28)، وقول رسوله الكريم : "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز.." (رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجة عن أب هريرة رضي الله عنه كما في كشف الخفا برقم (2713).
الماء الطهور:
هو الماء الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وهو كل ما ء نزل من السماء أو نبع من الأرض باقياً على أصل خلقته، لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة وهي اللون والطعم والرائحة، أو تغير بشيء لا يسلب طهوريته، ولم يكن مستعملاً.
تتبخر مياه البحار والبحيرات والأنهار وغيرها من مصادر الماء الموجودة على سطح الأرض بصورة مستمرة بسبب حرارة الشمس والرياح وتغيرات الضغط والحرارة والكهرباء الجوي. وبعد تكاثفها تعود إلى الأرض بشكل مطر أو ثلج أو برد أو ندى. وبعد أن يفي كل من هذه الأصناف وظيفته يعود فيتبخر من جديد بسبب العوامل المتقدمة الذكر. وهكذا يستمر التبخر والتكاثف إلى ما شاء الله تعالى .
قال عز وجل : " وهو الذي أرسل الرياح بُشراً بين يدي رحمته، وأنزلنا من السماء ماءً طهوراً، لنحيي به بلدة ميتاً، ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسيّ كثيراً "(سورة الفرقان:48_49).
وقال سبحانه
وينزل عليكم من السماء ماءً ليطهركم به …) (سورة الأنفال: 11).
إن ذلك الماء الطهور الذي نزل من السماء منه ما يجتمع على سطح الأرض، ومنه ما يجري بشكل سواقي أو جداول أو سيول أو أنها موقتة، ومنه ما ينفذ في الأرض مؤلفاً المياه الأرضية التي تؤلف الآبار والينابيع والعيون. وقد أشار الله تعالى في بعض آياته المحكمة إلى ذلك فقال سبحانه : " أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها .." (سورة الرعد: 19).
وقال جلت عظمته : " ألم تر أنّ الله أنزل من السماء ماءً فلسكه ينابيع في الأرض.." (سورة الزمر : 21).
لقد أجمع الأئمة المجتهدون على أن جميع أنواع المياه السابقة طاهرة في نفسها مطهرة لغيرها. أما ماء البحر فإن اسم الماء المطلق يتناوله وقال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه، الحلّ ميتته". وسيأتي تمام الحديث الشريف.
وأجمعوا عل أن كل ما يغير الماء، مما لا ينفك عنه غالباً، أنه لا يسلبه صفة الطهارة والتطهير فيصلح لإزالة الحدث به.
مثال ما لا ينفك عن الماء غالباً بعض الأملاح وبعض المعادن أو أشباهها التي تخالط الماء أثناء سلوكه في الأرض وتؤلف معه أحياناً المياه المعدنية، فهي طهورة . ومثلها الماء المتغير بالتبن أو بورق الشجر الذي تلقيه الرياح.
وهناك مغيرات أخرى للماء اختلفت فيها المذاهب في الحكم على بقاء طهوريته .
ولا يتسع المقام هنا إلى تفصيل ما اختلفوا فيه .
ليس كل ماء طهور صالحاً للشرب من الوجهة الصحية. ولذا رأيت أن أوجز صفات الماء الشريب وطرق إصلاح الماء الخاص خدمة في نشر الوعي الصحي.
الماء الشريب :
الماء الشريب هو ماء طهور امتاز بصفات على غيره تجعله صالحاً للشرب.
ليس كل ماء طهور صالحاً للشرب، فإن ماء البحر طهور، ومع ذلك فإنه لا يصلح للشرب بديهة. وإن الذوق السليم لينبو عن شرب ماء مستعمل، أو شرب ماء كثرت طحالبه أو ترابه أو ما يحمله الهواء إليه من غبار وأوراق شجر وأوساخ . كما إنه يعاف شرب ماء غير مستطاب الطعم ولو أنه أخذ من منبعه.
وإذا كانت حاسة الذوق أو الشم أو البصر تمنع الإنسان من شرب بعض المياه، مع أنها في الاستعمال طاهرة مطهرة شرعاً، فإن العلم بأن بعض المياه ثقيل على المعدة أو ضار بصحة الإنسان لكثرة ما فيه من أملاح ومعادن منحلة، أو لأنه يجلب الأمراض بما فيه من جراثيم وطفيليات، يمنع من شرب ذلك الماء ولو أنه في الظاهر طاهر مطهّر.
أ. فمن الوجهة الصحية يجب أن تكون مياه الشرب رائقة شفافة لا رائحة لها، وألا يطرأ عليها فساد بعد المكث، وأن يكون معتدلة البرودة مستطابة الطعم مهواة بكفاية، وأن تحوي كمية قليلة من الأملاح المعدنية المنحلة، وألا تكون خطرة على الصحة العامة أي ألا تحتوي على أجرام جرثومية ممرضة. وللتأكد من صلاحية الماء للشرب لابد من فحص كيماوي وجرثومي.
إن المياه الطبيعية الحائزة على هذه الشروط كلها قليلة جداً وهي :
1. ماء السماء إن جمع بطريقة صحية وأمكن حفظه من التلوث فيما بعد.
2. ماء الطبقة الغائرة العميقة، المستخرجة بصورة فنية صحية وهي الآبار العميقة، أو المنبجس بنفسه من مكان مناسب وهي الينابيع الحقيقة هي منبعها.
ثم إن المياه الصالحة في أصلها للشرب، لابد من حفظ سلامتها وتوزيعها بطراز فني صحي. أما ما كان غير صال فلابد من إصلاحه لإعداده للشرب.
هذا ويفضل صحياً أن تكون مياه الاستعمال هي ذات مياه الشرب.
وإذا لم يتيسر ذلك كما هو الحال في غير المدن، فإن مياه الاستعمال يجب أن لا تكون ملوثة. وإذا كانت ملوثة ولكنها غير نجسة في الحكم الشرعي فإن بحث إصلاح الماء يعلمنا كيف ندفع خطر الماء الملوث في نشر الأمراض.
ب. إن اختيار الماء الصالح للشرب،كما أنه إحدى الأسس الوقائية في حف صحة الإنسان، فإنه سنة نبوية . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء ويؤتي إليه من الآبار ذات الماء الطيّب. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعذب له الماء من بيوت السقيا) قال قتيبة وهي عين بينها وين المدينة يومان[2] .
وأخرج الواقدي بسند له عن الهيثمي بن نصر بن زاهر الأسلمي قال : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج، فكنت آتية بالماء من بير أبي الهيثم بن التيّهان جارهم، وكان ماؤها طيباً، ولقد دخل يوماً ضائقة على أبي الهيثم ومعه أبو بكر فذكر القصة..[3].
وإضافة إلى استعذاب الرسول عليه الصلاة والسلام لماء الشرب فلقد كان له قدح زجاج يشرب فيه لأنه ـ كما قال الذهبي في الطب النبوي ـ أقل ما يقبل الوضر ويرجع بالغسل جديداً ويرى فيه كدر الماء وكدر المشروب وقل أن يدس فيه الساقي السم.
عن أبن عباس قال: " كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير يشرب فيه " [4] .
جـ . ومن البديهي ومن التصرف الحكيم أن الإنسان إذا تيسرت له مياه عديدة، واختلفت في صفاتها ومقاديرها، فإنه يختار أعلاها نقاوة وطيباً وأقربها لصفات الماء الشريب من أجل شربه، ثم لطهوره من الحدثين ونظافة جسمه، ثم لطهارة أو نظافة ثوبه، ثم لطهارة أو نظافة مكانه. كما إنه يتبع ذات الترتيب في التفصيل إذا قل الماء لديه.
هذه قصة صحابي يستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حادثة تأتي دليلاً على ما ذكرت من أن طهورية الماء لا تعني صلاحيته للشرب، وأن سد حاجة الشرب مقدمة في استعمال المياه. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : (جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هو الطهور ماؤه الحلُّ ميتته" [5]
د ـ هذا وإذا كان الماء الطاهر لا يجوز شروط الماء الشريب، وليس هناك غيره، فإن من الواجب الصحي إصلاحه بالتصفية أو التطهير. والإصلاح نوعان :
1. إصلاح عام أو مركزي لسد حاجة جمع غفير من البشر في مدينة أو بلدة، وتقوم عليه مؤسسات خاصة، وتتوسع فيه كتب فن الصحة.
2. إصلاح خاص أ, موضعي لسد حاجة جماعة من الناس قليل عددها، وهو الذي يهم الفرد والأسرة خاصة في ريفنا وباديتنا. ويجب تثقيف أفراد المجتمع بذكر أصوله خدمة لصحة الأمة. ولذا رأيت من الواجب ذكر شيء عنه في هذا البحث إتماماً للفائدة ونشراً للوعي الصحي .
إصلاح الماء الخاص:
لهذا الإصلاح ثلاث وسائل:
1ـ الترشيح، 2ـ استعمال المواد الكيماوية ، 3ـ استعمال الوسائط الحكمية .
أ ـ الترشيح : معروف قديماً . وكانوا يكتفون باستعمال آنية بسيطة تصنع من الفخار الرملي . و(الزير) أحسن مثال لها، وتكون نتيجة الترشيح على هذه الطريقة جيدة أو لا بأس بها، لأنه تجعل الماء رائقاً مجرداً من أكداره وكثير من جراثيمه أيضاً. ولكن إذا كان الماء كثير الجراثيم أو كان فيه ما يخشى شره منها فلا بد عندئذ ن استعمال مراشح أكثر تجانساً وأدق مساماً مما سبق .
وكثيراً ما تصنع على شكل الشمعة لذلك تسمى بالشمعات المرشحة، مثل شمعات (شمبرلان) وشمعات (بركفلد) .
ب ـ استعمال المواد الكيماوية :
1. الكلور مركباته : يكفي إضافة 1سم 3 من محلول ماء جافل في الماء بنسبة 1% أن يطهر ليتراً من الماء الملوث في مدة نصف ساعة أو ساعة واحدة فقط.
أما كلور الكلس التجاري فيضاف منه مقدار 1 ـ 3غ إلى كل متر مكعب من الماء ويترك مدة 15 دقيقة على الأقل.
وفي السفر يستعمل محلول كلور الكلس بنسبة 1% يضاف منه 1سم 3 إلى كل ليتر من الماء فيطهر في مدة عشر دقائق .
إن الكلور يجعل طعم الماء غير مستطاب فيترك الماء المعقم بمركباته مدة ليفقد كلوره .
2. صبغة اليود: يضاف إلى كل لتر من الماء مقدار بين 8و 16 قطرة من صبغ اليود المهيأ . وبعد رجّه جيداً يترك مدة 30 دقيقة ثم يعدل اليود الباقي بإضافة قليل من منقوع الشاي أو القهوة أو بإضافة قليل ن هيبو سولفيت الصود.
ولا يجوز استعمال اليود طويلاً خشية من تخريش مخاطية المعدة .
3. فوق منغنات البوتاس :
أبسط طريقة لاستعمال هذه المادة أن تستعمل محلولة في الماء بأي نسبة كانت، ثم يقطر منها في كمية الماء المراد تطهيرها، على أن يتلون الماء كله باللون الأحمر الشاحب الثابت، ويترك نصف ساعة قبل الاستعمال ثم تزال فضلة هذه المادة بإضافة شيء قليل نم منقوع الشاي أو القهوة أو ما ماثل ذلك حتى يزول اللون ويروق الماء.
جـ التطهير بالحرارة :
يلجأ إليه لتطهير المشتبه به أو الماء الثابت تلوثه بالجراثيم مع الاضطرار إليه . يغلى الماء مدة عشرين دقيقة ثم يرفع عن النار حتى يبرد . ومعلوم أن الغلي يدفع هواء الماء فيجعله ثقيلاً غير مستطاب إلا إذا ترك مدة طويلة في الهواء بعد ذلك . ويمكن إسراع تهويته برجه.
الماء الطاهر غير الطهور:
هو ماء طاهر، ولكنه لا يصلح للوضوء ولا للغسل. وهو ثلاثة أنواع :
1. (أحدها) : الماء الطهور في الأصل إذا خالطه طاهر غير أحد أوصافه الثلاثة وكان مما يسلب طهوريته. وفيما يسلب الطهورية تفصيل المذاهب.
2. (ثانيها) : ما أخرج من نبات الأرض بعلاج كماء الورد، أو بغيره كماء البطيخ.
إن المدقق في مياه النوعين السابقين يلاحظ أن الماء فيهما غير صاف لا يحقق النظافة التامة التي يؤمنها الماء المطلق. إضافة إلى الاعتبارات الأخرى في بعضها من تلويث بدل تنظيف أو من إبدال تلوث من نوع بتلوث من نوع آخر.
3. (ثالثهما) : الماء القليل المستعمل:
اختلفت المذاهب في الحد بين القليل والكثير، واختلفت في تعريف المستعمل، أي في الأمور التي تجعل الماء القليل مستعملاً. وليس في بحثي هذا مجال لتفصيلها. فمن أحب التفصيل فليرجع إلى كتاب الفقه على المذاهب الأربعة وكتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد.وأكتفي هنا بذكر الملاحظات الصحية حول الماء القليل المستعمل في إزالة الحدث.
إن الماء القليل المستعمل في الوضوء أو الغسل يحوي من دنس وأوساخ الأعضاء المغسولة، ومن آثار المفرزات العرقية. ولذا فإن النفوس تعافه ولو لم تتغير أحد أوصافه .
وكما أن الوضوء والغسل طهارة من الحدث فإنّهما نظافة إجبارية.
فكلما كان الماء نقياً صافياً كان أكثر تنظيفاً وإزالة للأدران.
ولذا فإن استعمال الماء القليل يرفع عنه صفة الطهورية عند الحنفية والشافعية والحنابلة، ويؤيدهم فن الصحة كما وضحت.
وذهبت المالكية إلى أن استعمال الماء لا يسلب طهوريته ولو كان قليلاً فهو من قسم الطهور، لا يجوز التيمم مع وجوده لأن فيه فائدة النظافة بالماء التي لا توجد في التيمم.
المثال : إنسان في بداية أو منطقة قليلة أو نادرة المياه، معه ماء طهور توضأ منه أو اغتسل.
وجمع ذلك الماء المستعمل الذي لم يتغير أحد أوصافه ليستعمله في إزالة نجاسة حسية أو غسل ثوب أو مكان أو سقي بهيمة، ثم فقد الماء الطهور لديه، ولم يتمكن من تأمينه، ولزمه وضوء أو غسل، فإنه يتيمم حسب اجتهاد المذاهب الثلاثة، أو يتوضأ بذلك الماء المستعمل حسب المذهب المالكي .
وإذا أراد ذلك المسلم أن يراعي اختلاف المذاهب فإنه يجمع بين الطهارة بالماء والتيمم، خاصة إذا دعت حاجة النظافة إلى استعمال ذلك الماء المستعمل ثانية.