يتبع من وسائل التابعين في حفظ السنة
ضوابط التدوين:
وهكذا هيأ هؤلاء التابعون بتدوينهم علم الصحابة، المادة المدونة لمن تصدوا لتصنيف المؤلفات الجامعة في الحديث في النصف الأول من القرن الثاني الهجري، وقد وضع التابعون مع هذا التدوين ضوابطه وأسسه التي تجعل الأحاديث تتنقل به انتقالا صحيحا فلا يعتريها تحريف أو تبديل ومن هذه الضوابط :
1- المعارضة والمقابلة : ومعنى ذلك أن التلميذ يعرض على شيخه ما أخذه عنه ليتلافى الأخطاء التي تحدث أثناء النقل، فعن بشربن نهيك قال : " أتيت أبا هريرة بكتابي الذي كتبت عنه فقرأته عليه، قلت : هذا سمعته منك؟ قال : نعم " .
ويقول هشام بن عروة : قال لي أبي : أكتبت؟ قلت : نعم ، قال :عارضت؟ قلت : لا ، قال : لم تكتب.
ويقول يحيى بن أبي كثير ( 129هـ ) من كتب ولم يعارض كان كمن خرج من المخرج ولم يستنج .
بل إن الشيوخ يستحثون التلاميذ على المعارضة، قيل لنافع مولي ابن عمر: إنهم قد كتبوا حديثك، قال : فليأتوني حتى أقيمه لهم .
وقال الوليد بن أبي السائب : رأيت مكحولا ونافعا وعطاء تقرأ عليهم الأحاديث، وعن عبيدالله بن أبي رافع قال ، رأيت من يقرأ على الأعرج – عبدالرحمن بن هرمز ( 117هـ) حديثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : " هذا حديثك يا أبا داود ؟ قال : نعم .
وعن عاصم الأحول قال عرضت على الشعبي أحاديث فأجازها لي .
وعن معمر قال رأيت رجلا من بني أمية يقال له إبراهيم بن الوليد جاء إلى الزهري بكتاب فعرض عليه ثم قال : أحدث بهذا عنك يا أبا بكر؟ قال إي لعمري فمن يحدثكموه غيري ؟ .
2- الحفظ : ونعني به حفظ الكتب، فبعضهم كان يحفظها في ذاكرته، وبعضهم يحفظها في مكان أمين ، وكان قتادة يحفظ صحيفة الصحابي الجليل جابر بن عبدالله حفظا جيدا ، وكان الحسن بن علي يحفظ قول أبيه المكتوب في ربعة لا يخرجه منها إلا عند الحاجة إليها ، وكان خالد بن معدان، الذي لقي سبعين صحابيا يتخذ لكتابه عرى وأزراراً حفظا له .
وكانت هذه الكتب تراجع بالسماع أو بالقراءة على الشيخ حتى لا تقرأ محرفة، قيل لابن سيرين : ما تقول في رجل يجد الكتاب يقرؤه أو ينظر فيه؟ قال : لا . حتى يسمعه من ثقة ، واستفتى أيوب الناس فيما آل إليه من كتب أبي قلابة وصية، هل يحدث بما فيه مع أن بعضه انتقل إليه وجادة، ولهذا توقف ابن سيرين وقال له : لا آمرك ولا أنهاك.
واعتنى الأئمة بهذه الناحية عناية شديدة فتناولوا هذه الكتب ونبهوا على ما انتقل منها سماعا أو عرضا وما لم ينقل كذلك فلا يعتمد عليه كثيرا وخاصة إذا كان بطريق الوجادة إلى آخر ما جاء في هذا الصدد .