تاريخ المذهب المالكي:
I- مناطق انتشار المذهب المالكي:
إن المذهب المالكي توسع شرقا وغربا وصاحبه ما زال على قيد الحياة، وكتب له الانتشار وتمكن من قلوب الناس واعتمدوه منهجا سلوكيا في حياتهم، وعليه دارت الفتوى والقضاء في كثير من أصقاع الدنيا ولقرون عديدة، وفي هذا نود إلقاء نظرة وان كانت مختصرة على المناطق التي إنتشر بها المذهب مالك بفضل حنكة وجهد تلاميذه.
الحجاز: كان من طبيعة الحال أن ينتشر المذهب المالكي في الحجاز في بداية أمره لأنه من الحجاز نبع، وفيه نما وترعرع، حيث فيه مهد النبوة، المدينة المنورة معقل ال البيت والصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأرضهم،كعمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن يشكلون الأصول الأولى لمذهب مالك بن أنس رحمه الله.
فالمدينة المنورة كانت بمثابة قاعدة هذا المذهب ومدرسته الأصلية،منها انتشر في جهات مختلفة من الحجاز، ومن هناك سوف ينتقل إلى مصر ثم اليمن ثم إلى العراق،ثم إفريقية(تونس) وما وراءها من بلاد المغرب والأندلس.
العراق: انتقل المذهب المالكي إلى العراق وزاحم مذهب الأحناف، استقر بالبصرة وبغداد،حيث قام بنشره تلامذة مالك أمثال عبد الرحمن بن مهدي (198هـ) والقعنبي، وأبي حذافة السهمي، وسليمان بن بلال(176هـ) قاضي الرشيد ببغداد، وابي عبد الرحمن بن عبد الله المبارك(181هـ) والذين جاءوا من بعدهم كابن المعدل والقاضي ّإسماعيل (282هـ) صاحب المبسوط ، والأبهري (395هـ) والقاضي عبد الوهاب البغدادي وبموت هؤلاء رحمهم الله ضعف المذهب وانتقل امر العراق الى الشافعية والحنفية.
خرسان:دخل المذهب المالكي خرسان وماوراء العراق بواسطة بن يحيى التميمي،عبد الله بن المبارك،وقتيبة بن سعيد،وانتشر المذهب كذلك بقزوين وأبهر وما ولاها من بلاد الجبل وكان له هناك أئمة وقضاة وأتباع..
فارس: دخل المذهب الى بلاد فارس على يد القاضي أبي عبد الله الروكاني الذي ولى قضاة الأهواز(محتلة حاليا من طرف إيران).
بلاد الري: أدخله إليها كبير اللغويين أحمد بن فارس (تـ369هـ) ويروى عنه أنه كان شافعيا، فصار مالكيا، وقال: دخلتني الحمية لهذا البلد ، كيف لا يكون رجل على مذهب الرجل المقبول على جميع الألسنة..
الشام:دخلها أصحاب مالك منهم الوليد بن مسلم، و أبو مسهر ، وأبومروان بن محمد التتاري،وغيرهم...
مصر:انتشر المذهب على يد تلامذة مالك مؤسس المذهب ونذكر منهم:
إبن القاسم (تـ191هـ)، وأبو عبد الله محمد بن وهب القرشي(تـ163هـ) وأبو عمر أشهب القيسي(ت204هـ)، وأبو محمد بن عبد الحكم(تـ214هـ) وعثمان بن الحكم الجذامي (تـ163هـ)وعبد الرحيم بن خالد بن زيد (تـ163.
تونس القيروان:كان الغالب على أهل تونس في القديم مذهب الأحناف، وأول من أدخل المذهب المالكي إليها علي بن زياد صاحب الرواية المشهورة للموطأ (تـ183هـ) والبهلول بن راشد (تـ183هـ)، وأسد بن الفرات (تـ213هـ) وغيرهم من أصحاب مالك الذين تتلمذوا على يديه وأخدوا عنه مباشرة،ولقد انتشر المذهب على أيديهم بشكل واسع مما سيمهد للغلبة الكاملة على يد سحنون(تـ240هـ) حيث استقر المذهب في الفتوى والقضاء وأخد به الناس في عبادتهم ومعاملاتهم إلى أن جاءت دولة الأغالبة فمالوا إلى الأخد بالمذهب الأحناف واثروهم في القضاء والرياسة، والامر نفسه كان مع العبيديين، إلى أن جاء المعز بن باديس فأرجع الناس إلى مذهب مالك حسما للخلاف،واستمر هو سائد إلى حين دخول العثمانيين تونس.
صقلية:كانت الجزيرة خاضعة للحكم الإسلامي، وأول من أدخل إليها المذهب المالكي هو عبد الله بن حمدون الكلبي الصقلي تلميذالامام سحنون وهو أول فقهاء صقلية،ومحمد بن ميمون بن عمرو الإفريقي قاضي صقلية،ولقمان بن يوسف الغساني الصقلي.
الأندلس:كان أهل ال؟أندلس على مذهب الأوزاعي تقريبا بعيد الفتح الإسلامي،إلى أن رحل أبناؤها إلى الحجاز، فأخدوا العلم من إمام دار الهجرة،وعادوابمذهبه ينشرونه في بلادهم،ونذكر من هؤلاء: زياد بن عبد الرحمن المعروف بشبطون (تـ204هـ)وهو على الأرجح أول من أدخل مذهب مالك إلى الأندلس.وقرعوس بن العباس(تـ220هـ)، الغازي بن قيس (تـ199هـ)،ويحيى بن يحي الليثي (234هـ)، وعيسى بن دينار القرطبي (212هـ).
هؤلاء وغيرهم جاءوا بعلم مالك،وأبانوا للناس فضله،واقتداء الأمةبه،وأخد به الأمير هشام بن عبد الرحمن بن معاوية،واعتمده في القضاء والفتيا وامر الناس باتباعه وذلك سنة170هـ. وتذكر المصادر التاريخية أن قوما من الرحالين والغرباء أدخلوا شيئا من مذهب الشافعي وابي حنيفة واحمد وداود،فلميتمكنوا من نشره،فمات بموتهم.
المغرب:كان المغرب منذ الفتح الإسلامي على مذاهب شتى من حنفية وخارجية ومعتزلية..وغيرها كالمذهب الأوزعي،إلى أن قامت دولة الأدرسة، فكان من بين أعمال الامير إدريس بن الحسن بن حسن بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم هو دعوته الناس لأخد بمذهب مالك واتباع منهجه وجعله مذهبا رسميا للدولة وقد روي عنه ذلك قول مشهور : (نحن أحق باتباع مذهب مالك وقراءة كتابه الموطأ)) وأصدر الأمر لأعيانه وقضاته بنشر كتاب الموطأ وإقراءه.
وتذكر كتب التراجيم أن الموطأ أول كتاب حديثي نقل في عهد الملك إدريس إلى المغرب، نقله قاضيه عامر بن محمد القيسي الذي سمع من مالك الثوري وروى عنهما مؤلفاتهما وقدم بها إلى المغرب، فسمع من إدريس رحمه الله وغيره من فقهاء.
وتعزز المذهب المالكي بالمغرب نتيجة رحلة نخبة من العلماء الى بلاد الحجاز وعودتهم بعلم مالك وعزمهم على نشره ونذكر منهم: أبو هارون البصري،وأحمد بن فتح المليلي،ودراس بن إسماعيل (تـ357هـ) وهو أول من أدخل مدونة سحنون إلى المغرب، وابن العجوز،وأبو جيدة، وغيرهم كثير. وقد تعددت رحلات المغربية الى بلاد الحجاز في وقت مبكر لأخد عن إمام دار الهجرة ومثال ذلك ماروي عن أحد أعلام سجلماسة من أنه أخذ عن الإمام مالك ورجع إليها ودرس العلم بها.
هكذا لم يمض القرن الثاني الهجري حتى كان المذهب امتد الى ثلاث قارات، وترسخ بها واعتمد في القضاء والفتوى.
المـــــــــــــصــــــــادر المتــــــبـــــــــــعـــــة:
ترتيب المدارك.
مقدمة العلامة ابن خلدون.
كتاب الإستقصا لأخبار المغرب الأقصى لناصري.
محاضرات المرحوم عمر الجيدي في كتابه(محاضرات في المذهب المالكي).
منقول