يجب على المرأة ستر وجهها إذا خيف الفتنة أو قصد التلذذ والشهوة ثالثاً: المشهور في المذهب أنه إذا خيف الفتنة من وجه المرأة أو كان النظر للتلذذ أو الشهوة , فيجب على المرأة ستر وجهها :
1- قال الإمام ابن عبد البر المالكي المجتهد (ت:463هـ) في " التمهيد" في شرح موطأ الإمام مالك ( 6/364 ):
( وأما النظر للشهوة, فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة فكيف بالنظر إلى وجهها مسفرة؟! )
2- وقال الإمام ابن عبدالبر المالكي المجتهد (ت:463هـ) في الاستذكار ( 5/ 365 ) رقم 7692 :
( وأما النظر لشهوة إلى غير حليلة أو ملك يمين مع التأمل محظور غير مباح ) انتهى
3- وذكر العلامة الآبِّيُّ:
( أنَّ ابن مرزوق نصَّ على: أنَّ مشهور المذهب وجوب سـتر الوجـه والكفين إن خشـيت فتنة من نظر أجنبي إليها ) أ.هـ . (جواهر الإكليل 1/41).
4- قال الإمام الحطاب(ت:954هـ) :
( واعلم أنه إن خُشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين. قاله القاضي عبد الوهاب ، ونقله عنه الشيخ أحمد رزوق في شرح الرسالة ، وهو ظاهر التوضيح . هذا مايجب عليها) مواهب الجليل لشرح مختصرخليل (1/499)
5- وقال العلامة الفقيه المالكي أبو عليٍّ المشداليُّ( ت731هـ،) رحمه الله:
( إنَّ من كانت له زوجة تخرج وتتصرف في حوائجها بادية الوجه والأطراف -كما جرت بذلك عادة البوادي- لا تجوز إمامته، ولا تقبل شـهادته )أ.هـ .
6- وقال العلامة الموسوعي الفقيه : أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي ( ت 871 هـ ) في "المعيار المعرب " (11/193):
( وسئل أحمد بن يحيى الونشريسيُّ -رحمه الله- عمن له زوجة تخرج بادية الوجـه، وترعى، وتحضـر الأعراس والولائم مع الرِّجال، والنِّسـاء يرقصن والرِّجال يكفون، هل يجرح من له زوجة تفعل هذا الفعل ؟
فأورد الفتوى السابقة، ثم قال: وقال أبو عبد الله الزواوي: إن كان قادراً على منعها ولم يفعل فما ذكر أبو عليٍّ ( المشداليّ ) صحيح.
وقال سيدي عبد الله بن محمد بن مرزوق( ت 842 هـ): : إن قدر على حجبها ممن يرى منها ما لا يحلّ ولم يفعل فهي جرحة في حقه، وإن لم يقدر على ذلك بوجه فلا. ومسألة هؤلاء القوم أخفض رتبة مما سألتم عنه، فإنَّه ليس فيها أزيد من خروجها وتصرفها بادية الوجه والأطراف، فإذا أفتوا فيها بجرحة الزوج، فجرحته في هذه المسؤول عنها أولى وأحرى، لضميمة ما ذُكر في السؤال من الشطح والرقص بين يدي الرجال الأجانب، ولا يخفى ما يُنْتِجُ الاختلاط في هذه المواطن الرذلة من المفاسد ) أ.هـ
قلت : ياحسرة على دعاة التبرج والسفور أمام هذه الفتاوى الواردة سابقاً , والتي تفتي بأن الزوج الذي امرأته تكشف وجهها ولم يمنعها وهو يستطيع ذلك , لا تجوز إمامته , ولا تقبل شهادته !8- وفي موسوعة فقه العبادات في الفقه المالكي فيما يتعلق بلباس المحرم وأن إحرام المرأة في وجهها , قال :
( وإن علمت أو ظنت الفتنة بها وجب عليها الستر …. لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزنا كشفناه )) انتهى (1/345-346)
9- وفي الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية ( ج:1 ص:212- 214 ) في الإحرام :
( وستر وجهها أو بعضه ولو بخمار أو منديل إلا لخوف فتنة على الرجال منها فيجب عليها ستره بشرط أن يكون الساتر ليس مغروزا بإبرة ولا مربوطا برأسها )
10- قال الإمام القرطبي ( ت 671 هـ )" قال ابن خُويز وهو من كبار علماء المالكية_: أن المرأة إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة ، فعليها ستر ذلك " تفسير القرطبي (12/229)
11- وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي ( ت 671 هـ ) أيضاً في الجامع ( 6/ 5325 ):
( الجلابيب جمع جلباب , وهو ثوب أكبر من الخمار , وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء , وقد قيل : إنه القناع . والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن )
.. إلى أن قال :
( وقد قيل : إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء )
رحمك الله يا أيها الإمام المالكي الهمام , قبلنا بسبعة قرون ومع ذلك يقول عن زمانه : أنه يجب فيه التستر والتقنع , فماذا لو رأيت زمان الفضائحيات وما تنشره من فساد أخلاقي ؟!
12- وساق هذه العبارة الإمام أبو عبدالله القرطبي( ت 671 هـ ) في الجامع لأحكام القرآن ( 6/ 4629 ) بلفظ :
( قال أصحاب الرأي : عورة المرأة مع عبدها من السرة إلى الركبة . فقال ابن العربي : " وكأنهم ظنوها رجلاً , أو ظنوه امرأة , والله - تعالى – حرم المرأة على الإطلاق لنظر أو لذة , ثم استثنى اللذة للأزواج وملك اليمين , ثم استثنى الزينة لاثني عشر شخصاً , العبد منهم , فمالنا ولذلك ؟! هذا نظر فاسد , واجتهاد عن السداد متباعد " ) انتهى
13- وقال الإمام ابن العربي ( ت 543 هـ )في عارضة الأحوذي ( 2/ 135-137 ) كتاب الصلاة / باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد :
( وفقهه- أي الحديث - وجوب ستر جميع جسد المرأة فإنها عورة )
14- وقال الإمام ابن العربي( ت 543 هـ ) في العارضة أيضاً ( 4/ 56 ) :
( "المسألة الرابعة عشرة " : قوله في حديث ابن عمر "ولاتنتقب المحرمة " وذلك لأن ستر وجهها بالبرقع فرض إلا في الحج , فإنها ترخي شيئاً من خمارها على وجهها غير لاصق به , وتعرض عن الرجال , ويعرضون عنها )
15- وقال الإمام العلامة الزرقاني في شرح الموطأ (2/ 234 ) رقم 734 في حديث فاطمة بنت المنذر : " كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات .. " :
( يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بقصد التستر عن أعين الناس , بل يجب إن علمت أو ظنت الفتنة بها , أو ينظر لها بقصد اللذة )
16- وقال الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر الخليل" في المذهب المالكي :
(وإن علمت أو ظنت الافتتان بكشف وجهها وجب عليها ستره لصيرورته عورة حينئذ ). (4/ 381- 382)
17- وقال الشيخ عليش في "منح الجليل شرح مختصر الخليل" في المذهب المالكي:
( ابن عرفة اللخمي لابن الماجشون ينقل عن النساء وإن حضرن وهو الشأن ، رواه ابن حبيب عن مطرف ، قال لم أر بالمدينة امرأة قط أدت الشهادة بنفسها ، ولكن تحمل عنها ولا يشترط في النقل عنها غيبتها .
الباجي لما أمر النساء به من الستر والبعد عن الرجال ولذا قال بعض العلماء لا يلزم المخدرة حضور مجلس القضاء للمحاكمة وهي التي تبتذل بكثرة التصرف ولا تخرج إلا لزيارة وما لا بد منه )(18/257)
قلت : انظروا إلى هذا النص السابق وتأملوا البون الشاسع بينه وبين رأي دعاة التبرج والسفور واختلاط المرأة بالرجال , فهو لم يرَ في المدينة امرأة قط أدت الشهادة , وينقل أن بعض العلماء , قالوا : بأنه لايلزم المرأة المخدرة حضور مجالس القضاء مع العلم أنها ضرورة وحاجة !
18- وفي شرح مختصر الخليل في المذهب المالكي للعلامة الخرشي :
(( تنبيه ) : لا يجوز ترداد النظر وإدامته إلى امرأة شابة من محارمه أو غيرهن إلا عند الحاجة إليه والضرورة في الشهادة ونحوها وعليه فيقيد كلام المصنف بغير ترداد النظر وإدامته ومفهوم الشابة أنه يجوز ذلك في المتجالة ذكره الحطاب ) (3/209)
19- وقال الإمام ابن جزي المالكي (ت:741هـ) في " التسهيل لعلوم التنزيل 3/ 144" :
(كان نساء العرب يكشفن وجوههن كما تفعل الإماء وكان ذلك داعياً إلى نظر الرجال لهن فأمرهن الله بإدناء الجلابيب ليسترن بذلك وجوههن).
20- وقال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان 6/594: (وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) يقتضي ستر وجوههن وأنهن شققن أزرهن فاختمرن أي سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) المقتضي ستر وجوههن).
وقال العلامة القرآني المالكي محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله: "فقد قال غير واحد من أهل العلم: إنّ معنى (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) أنهن يسترن بها جميع وجوههن ولا يظهر منهن شيء إلا عين واحدة تبصر به، وممن قال به: ابن مسعود وابن عباس، وعبيدة السلماني، وغيرهم".(أضواء البيان(6/568) )وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي، رحمه الله، معلقاً على حديث عائشة : ( فترى عائشة، رضي الله عنه، مع علمها وفهمها وتقاها أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنزيل، وهو دليل واضح على أنهن فهمن ستر الوجوه من قوله تعالى: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ).(أضواء البيان [6/595]) 21- وفي الشرح الكبير للعلامة الدردير(ت:1201هـ) (2/215) :
( (و) ندب للخاطب (نظر وجهها وكفيها) إن لم يقصد لذة وإلا حرم (فقط) دون غيرهما لانه عورة فلا يجوز هذا هو المراد (بعلم) منها أو من وليها ويكره استغفالها )أ.هـ.
22- وفي جامع الأمهات لابن الحاجب (ت: 646 هـ) ص 568 :
(ولا يحل خلوة الرجل بامرأة إذا لم يكن زوجاً ولا محرماً ويحرم عليه النظر إلى شيء من بدنها إلا الوجه والكفين من المتجالة وأما الشابة فلا ينظر إليها إلا لضرورة لتحمل شهادة أو علاج وإرادة نكاح).
23- وجاء في شرح المتن للشيخ صالح الآبي الأزهري (ت:1335هـ) المسمى (هداية المتعبد السالك) ص 18 :
( "والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها" كل ذلك مما يحرم على الشخص فيحرم عليه النظر إلى الأجنبية لغير الوجه واليدين , وإلى الوجه واليدين إن صاحب هذا قصد الالتذاذ )
24- وللإمام الدسوقي (ت:1230هـ) حاشية على الشرح الكبير قال فيها معلقا على الدردير:
((( قوله : مع رجل أجنبي مسلم ) أي سواء كان حرا أو عبدا ولو كان ملكها ( قوله : غير الوجه والكفين ) أي وأما هما فغير عورة يجوز النظر إليهما ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما بشرط أن لا يخشى بالنظر لذلك فتنة وأن يكون النظر بغير قصد لذة وإلا حرم النظر لهما وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها وهو الذي لابن مرزوق قائلا إنه مشهور ).
25- وقال أيضاً :
( ( قوله : وجب ستر ما عدا العورة ) أي زيادة على ستر العورة ( قوله : كستر وجه الحرة ويديها ) أي فإنه يجب إذا خيف الفتنة بكشفها ). (2/293)
26- وقال الإمام الحطاب (ت:954هـ) في "مواهب الجليل في شرح مختصر الخليل" :
((واعلم أنه إن خشي من المرأة الفتنة يجب عليها ستر الوجه والكفين قاله القاضي عبد الوهاب ونقله عنه الشيخ أحمد زروق في شرح الرسالة وهو ظاهر التوضيح هذا ما يجب عليها )).
27- وجاء في مختصر الأخضري (ت:983 هـ) :
(ويحرم عليه الكذب ... والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها).
28- وجاء في عمدة البيان في معرفة فروض العيان للمرداسي (ت:1274هـ) :
(والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها يريد أن النظر إلى الأجنبية حرام، والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفها، إلا إذا خشي منها الفتنة، فلا يجوز النظر حتى إلى وجهها، إلا إذا كانت عجوزاً أو سوداء فيجوز ذلك).
وقبل أن نختم هذا القول بأن المشهور في المذهب المالكي أنه يجب على المرأة ستر وجهها إذا خيف منه الفتنة أو قُصد بالنظر إليه التلذذ والشهوة , فنقول كما قال الشيخ عبدالله رمضان موسى في إيجابته عن شبهة نقل كلام القاضي عياض:
أمامنا أحد طريقين لمنع وقوع نظر الرجال إلى النساء بشهوة أو لذة :
الطريق الأول : إلزام المرأة بتغطية وجهها .
الطريق الثاني : إلزام الرجل بغض البصر , فلا ينظر إلى وجه المرأة .
و السؤال الآن :
ماذا إذا لم يغض الرجال أبصارهم , كما هو حاصل وعمت به البلوى عند سير المرأة في الطريق العام والمواصلات ؟!
في هذه الحالة , لا يوجد إلا الطريق الأول – وهو إلزام المرأة بتغطية وجهها – لمنع وقوع النظر المحرم .
لذلك نقل الفقهاء - على مر العصور – إجماع المسلمين على منع النساء من الخروج مكشوفات الوجوه , وحاجتنا إلى هذا المنع أشد في عصرنا هذا , حيث لا تسلم المرأة من نظر أهل الفسق والفجور وضعاف النفوس الذين امتلأت بهم الطرقات والمواصلات.
الحلقة الثانية يتابع ان شاء الله