بسم الله الرحمان الرحيم
االحمد لله والصلاة والسلام على سيد المرسلين
وبعـــــــــــــــــــــد
القلق او ذلك الشعور بالخوف والخشية من شيء ما في المستقبل, وهو الشعور الذي قد يجد طريقه احيانا للتسلل الى قلب وعقل العبد المؤمن وهو في حالة غفلة او ضعف فيختل لديه ميزان الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى والتسليم بقدره , ترى كيف نظر الاسلام الى هذا الشعور , وكيف تعامل معه وكيف بلغ القران الكريم مبلغا عظيما في سد ابواب ومنافذ تسرب القلق الى داخل نفس المؤمن؟
ان الاسلام جاء ليركز على اهمية العقيدة في نفس المسلم حتى يعيش صحيحا سليما دون ارهاق نفسي او ارهاق بدني لذلك نجد ان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يقول في الحديث الصحيح لما سئل عن اركان الايمان ( ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر والقدر خيره وشره )حيث يركز النبي صلى الله عليه واله وسلم على الايمان بالقدر خيره وشره بجعله احد اركان الايمان , وقد قال يوما صلى الله عليه واله وسلم لعبد الله بن عباس بينما كان يسير معه ( ياغلام احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، واذا سالت فسأل الله واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الأمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشيء لن ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الاقلام وجفت الصحف)، وفي رواية اخرى ( واعلم ان ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، وما أصابك لم يكن ليخطئك، ومن هذا يتبين انه لابد للمسلم من ان يعقد الامل ويظن بالله الخير.
ثلاثة اسباب للقلق:
هناك ثلاثة اسباب للقلق او خوف انقضاء الاجل قبل بلوغ الامل من منصب او جاه او ثروة او غيرها من امور الدنيا ، اما الثاني فهو الخوف من ضيق الرزق ، والثالث الخوف مما يحدث للانسان من ابتلاءات في الحياة الدنيا ، والحق ان هذه ثلاثة لا رابع لها ونجد ان القران العظيم قد امن المسلم على هذه الامور الثلاثة.
فعن الامر الاول وهو انقضاء الاجل قبل ان يبلغ الانسان امله فان الله تبارك وتعالى امننا على هذا الجانب فقال عز وجل (ولن يؤخر الله نفسا اذا جاء اجلها )) فالامر اذن بيد الله تعالى وحده ، اما الامر الثاني وهو الخوف على الرزق وسوى ذلك من امور فنجد ان الله تعالى طمأننا على ارزاقنا واعلمنا انها بيده وحده لا شريك له فقال عز وجل في سورة الذاريات (( وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والارض انه حق مثل ما انكم تنطقون )).
اما الامر الثالث وهو قلق الانسان بشان ما يحدث له من نوائب الدهر من صنوف الابتلاءات المختلفة فقد طمأننا الله عز وجل وعرفنا انه لايحدث في ملكه الا ما يريد ولا يقع في الناس الاما اراده سبحانه وتعالى .
لذلك على المسلم ان يتعلق بالله وحده حيث يقول عز وجل (( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون )) فمادام الرزق بيد الله والاجل عند الله وما يحدث للانسان في حياته بامر الله فلماذا القلق اذن؟
ولقلق وجه اخـــــــــــــر:
ربما يكون للقلق في نفس وقلب العبد المؤمن وجه اخر وهو الوجه الحميد فالانسان المسلم يخشى الا يكون مقبولا عند ربه عز وجل ولذلك يتحرك قلبه وتتالم نفسه ويجد بدنه في تحصيل امر يرضي ربه سبحانه وتعالى ، ولكن ينبغي ان نعلم ان الاخذ بالاسباب الصحيحة السليمة كما هو معلوم في القاعدة الشرعية ، الاخذ بالاسباب واجب وتركه فسق والاعتماد عليه كف فالانسان لابد له ان يتخذ اسباب السلامة ثم يتوكل على الله تعالى وحينئذ لا يصاب بما يسمى القلق النفسي.
وثمة امر اخر وهو انه من شأن المؤمن دائما ان يكون وجلا ألا يقبل من الله عز وجل ، ويمكن ان نضرب لذلك مثلا من تاريخنا الاسلامي ويتمثل هذا في ما دار من حوار بين سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخادمه ثوبان حيث قد غاب عنه النبي صلى الله عليه واله وسلم مرة ، فلما عاد اليه وجده متغير الحال ، فوجده ممتقع لونه هزيل بدنه فقال له صلى الله عليه واله وسلم ( مابالك يا ثوبان .... فقال : والله يا رسول الله ما بي الم ولا وجع الا اني احبك وكلما غبت عني يزداد شوقي اليك ويزداد اكثر لما اذكر الاخرة ... فان دخلت الجنة تكون انت في اعلى عليين اما انا فمع باقي المؤمنين ـ هذا ان دخلتها ـ وان لم ادخلها لم ارك ابدا )، واذا بالنبي صلى الله عليه واله وسلم يطمئنه فيقول له (يا ثوبان المرء مع من احب) واذا بالقران ينزل .. (( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا)) عند ذلك سرى عنه رضي الله عنه وارضاه.
ولابد ان يكون المؤمن هكذا اذا اصابه شيء فليرجع الى ربه وليكن همه الاخرة عندئذ تصغر الدنيا حوله ولا يراها الا صغيرة قليلة فلا يهتم بها ويكون من لفائزين الذين قال عنهم الرسول صلى الله عليه واله وسلم ( من كانت الدنيا همه شتت الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم ياته من الدنيا الا ما كتب له ، ومن كانت الاخرة همه جمع الله عليه شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة ...)
وبذلك الفهم بالثقة في الله والتوكل عليه عز وجل والاتباع الصحيح لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ينجو الانسان من الوقوع في امثال ذلك المرض لان الانسان المؤمن تطمئن نفسه بذكر الله تعالى كما قال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز (( الذين امنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )) صدق الله العظيم
ام سيرين